FORGOT YOUR DETAILS?

إنشاء حساب جديد لكي تتمكن من إضافة ملف شكاية

لمحة تاريخية

مثّل تظلّم المواطن من الإدارة على مرّ العصور محورا هاما من مشاغل الدّول التي حاولت إيجاد هياكل ومؤسسات تحكيمية للوقوف ضد تعسف صاحب السلطة.

فابتكر الـمجتمع الإسلامي طرقا عديدة لعلّ أشهرها ما عُرِفَ لاحقًا بديوان الـمظالمِ الذي بدأ تَشَكُّــلُهُ منذ حياةِ الرَّسول الأكرم عليه صــلوات الله وسلامه، فالخلفاء الراشدون من بعده، مُرورا بالدَّولة الأموية، فالـعَبَّاسِيَّةِ التي تطوَّر فيها قضاء الـمظالم بشكل كبير لـمَّا استقلَّ بولاية خاصة مستقلة، وأصبحت المظالــم تناط بعهدة قاضٍ مختصٍّ يُعْـقَـدُ له مجلس خاص منذ أيام الخليفة العباسي الثالث المهدي، كما بدأ تقديم المظالم بشكل مكتوب، وكان من أهم اختصاصات قاضي المظالم النظر في تعِدّي الولاة على الرعية، والأموال المغصوبة من قبل الـولاة والمـتـنـفـذين، ونقص مخصصات الموظفين وتأخـرها، وهـكذا تتجلَّى ريادة الـمسلمين في هذا الـمجال رغم إنَّ العالم الحديث عرف مؤسَّسَة التوفيق من خلال اسمٍ آخَـرَ هُـو “الامـبـودسمان” أي “الـمتكلم باسم الغير” وكان ذلك ســـنة 1713 في السويد مـــع “أمبودسمان الملك”، وإنْ كانَ هُنَاك من يقول أن دولة السويد طبّقت نظام وقانون ديوان المظالم كَــرَدٍّ لجميلِ الدولة العثمانية التي استضافت الملك السويدي تشارلز الثاني عشر وأعادته إلى ملكه عام 1805، ثم عرفت سنة 1809 نقلة نوعية بإنشاء مؤسسة ” الأمبودسمان من أجل العدالة ” وهو أمبودسمان برلماني يسهر على مراقبة درجة تطبيق السلطة التنفيذية القوانين والتراتيب وضمان حقوق المواطن.

وقد انتقلت التجربة إلى بلدان شمال أوروبا في مطلع القرن العشرين، ثم شملت في بداية السّتّينيات منه مجموعة من بلدان الكومنولث وأوروبا، حتَّى إذا كانت موجة التحوّلات الديمقراطية التي عرفتها عديد الدول في العشريتين الأخيرتين من نفس القرن تم بعث العديد من مؤسسات التوفيق عبر العالم شملت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية وأمريكا اللاّتينية وإفريقيا الفرانكفونية وآسيا والمحيط الهـــادي، وقد اندرجت هذه الإحداثيات في إطار منظومة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة وبناء دولة القانون والمؤسسات.

وتجدر الملاحظة أن مؤسسة التوفيق في العالم كانت في الأصل على المستوى المركزي وموجهة للقطاع العمومي لتتطور لاحقا في العديد من البلدان بما شمل المستويات المحلية والجهوية، كما امتدت إلى القطاع الخاص وفي جميع مجالات النشاط المتصلة به إلى جانب تخصيص قطاعات معينة بمؤسسات توفيق تنفرد بها عن غيرها مثل قطاع الطّفولة وقطاع الجيش ومجال تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة وفئة ذوي الاحتياجات الخصوصية وقطاع السجون إلى غيرها من مختلف القطاعات والمجالات الأخرى.

وتتمثل مهمة مؤسسة التوفيق خصوصًا في قبولِ شكاوى المواطنين حول الإخلالات في سير المرفق العام بمخالفة القانون أو بعدم الإنصاف، وكلما تبين بعد البحث أن الشكوى مؤسسة على سند صحيح من الواقع والقانون يتولى الموفق إصدار توصية في اتجاه تصحيح الوضع وإنصاف العارض.

ويتولى الموفق سنويًّا تقديم تقرير عن نشاطه إلى رئيس الجمهورية أو إلى البرلمان أو إلى الاثنين معــا حسب الحالة مع نشره للعموم، ولتحقيق ذلك كان لــزاما أن يتوفــــر للموفق شرطا الاستقلالية والحياد عند قيامه بمهامه بما استدعى دسترة هذه المؤسسة في العديد من البلدان وإحداثها بمقتضى قوانين أساسية.

ولا تفوت الإشارة إلى أن مهمة التوفيق في بعض البلدان تنصبُّ أساسا على حماية حقوق الفرد، ويتجلى ذلك عبر التسمية التي تحملها مؤسسة التوفيق في هذه البلدان مثل ” اللجنة الوطنية لحقوق الفرد” أو”وكيل العدالة” أو”وكيل حمايــة حقوق الفرد” أو”حامي الحقوق الـمدنية ” أو” لجنة حقوق الإنسان والعدالة الإدارية” أو”مـــحامي المواطن ” أو” المندوب البرلماني لحقوق الفرد” إلى غير ذلك من التسميات ذات الدّلالة.

ولم تكن تونس بِمَعْزلٍ عمَّا يدور حولها، فَنَسَجَتْ على مِنْوال البلدان المذكورة آنفا، وعزَّزَتْ منظومتها المؤسساتية بمؤسسة توفيق مُتَمَثِّلَةً في خطة الموفق الإداري التي تمَّ الإعلانُ عنها في 10 ديسمبر 1992 بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم صدر في الغرض وبتاريخ 3 ماي 1993 القانون عدد 51 الذي تضَمَّنَ شرحُ أسبابه في ما تَـضَمَّنَهُ أنَّ “إنشاء هذه المؤسسة يندرج في إطار برنامج تعصير الإدارة لإنجاح العمل التنموي وأن الحكومة تنكب على وضع برنامج شامل للإصلاح يتصل بكل أوجه العمل الإداري من تنظيم الجهاز الإداري وتبسيط الإجراءات واختصار الآجال وتكوين الموظفين ودعم اللامركزية ليأخذ الإصلاح الإداري طابع الشمولية والنّجاعة حتى تكون الإدارة مواكبة لتطور المجتمع وفي إنصات دائم لمشاغل المواطن وأنه من جملة الآليات التي تقرّر إحداثها في هذا المجال خطة الموفق الإداري ومهمته الوساطة بين الإدارة والمواطن لتسهيل الحلول للمسائل التي لم تجد حلا على مستوى المسالك الإدارية العادية”.

ويتبين بالتّمعن في مقتضيات هذا القانون وكذلك أحكام الأمر التطبيقي عدد 1126 لسنة 1996 المؤرخ في 15 جوان 1996 أنَّ بعث مؤسسة الموفق الإداري ولئن كان يندرج في نطاق إرساء آليات تمكن من إنجاز الإصلاح الإداري، فإنه يندرج أيضا في إطار وضع آليات لحماية حقوق الإنسان وهو ما يتجلى بالخصوص من خلال مشمولاته وإجراءات التّظلم لديه وأساليب عمله والأدوات القانونية المُخَوَّلَةِ له للقيام بذلك العمل فمن حيث المشمولات ينظر الموفق الإداري في الشكاوى الصادرة عن الأشخاص الماديين وعن الذوات المعنوية وفي شخص ممثليها والمتعلقة بالمسائل الإدارية التي تخصهم والتي ترجع بالنظر لمصالح الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والمنشآت العمومية وغيرها من الهياكل المكلفة بمهمة تسيير مرفق عمومي.

وقد خوله المشرع عدة صلاحيات إذْ أوجب على الوزراء وكل السلطات الإدارية أن ييسّروا مهمّته وأن يعينوا من بين الإطارات العليا الراجعة لهم بالنظر منسقا مع مصالحه يتولى تعجيل البتّ في ما يرفع إليه من الشكاوى وأن يأذنوا للأعوان الخاضعين إلى سلطتهم بالردّ على أسئلته وعلى استدعاءاته وبأن يأذنوا لهيئات الرقابة بالقيام بالتحقيقات والأبحاث التي يطلبها.

ويوجه الموفق الإداري كل التوصيات اللازمة لفض النزاع إلى الجهة الإدارية المعنية التي يجب عليها في كل الحالات إعلامه بمآل مساعيه لديها وفي غياب الرد يرفع الموفق الإداري تقريرا في الغرض إلى رئيس الجمهورية مشفوعا بمقترحاته.

إلى جانب ذلك فإنَّ الموفق الإداري يرفع تقريرا سنويا إلى رئيس الجمهورية يتضمن نتائج نشاطه والإجراءات والتنقيحات القانونية والترتيبية التي يقترحها لتحسين عمل الإدارة.

أمَّا إجراءات الالتجاء إلى الموفق الإداري فقد أرادها المشرع بسيطة إذ تتم مجانا ومباشرة عن طريق الاتصال بمصالح التوفيق من دون وساطة وذلك سواء بالحضور أو بالمراسلة، علما بأن العارض يبقى على اتصال دائم بمصالح التوفيق لغاية انتهاء الموجب.

أعلى الصفحة